_قراءات «سياسية» هائمة ١٢: غالبا عن الصين.

إن عامل الثقة الاجتماعية تراجع بشكل كبير، من خلال ملاحظة ارتفاع معدلات ارتكاب الجريمة، حيث سجلت أمريكا ارتفاعاً كبيرا كأكثر من أي بلدٍ مُتقدم، وقد استطاع الأثرياء حماية أنفسهم من آثارها المباشرة بالانتقال من الضواحي الشعبية إلى الضواحي الغنية، أو إحاطة بيوتهم ومنازلهم بأسوارٍ تحميهم، غير أن الآثار غير المباشرة للجريمة كانت أكثر تدميرا للإحساس بالروح الجماعية من تلك المباشرة، فقد وقعت حادثة في لويزيانا 1992م، حين أقدم رجل أمريكي اسمه رودني بيرز على قتل الطالب الياباني يوشيهيرو هانوري، فأطلق عليه النار عندما توقف خطأً قرب باب منزله، وكان هانوري في طريقه لحضور حفلة خاصة، وعلى الرغم من أن الحادثة استأثرت اهتماماً كبيراً في اليابان وأمريكا، لكن القضية الفعلية كانت فقدان الثقة في المجتمع، فصاحب المنزل يُظهر الارتياب في التعامل مع العالم الخارجي، لدرجة أنه مستعدٌ لإطلاق الرصاص على فتىً يَعيشُ في الحي نفسه. وفي مثال آخر على تراجع الثقة، أنه في السنوات الأخيرة توقفت أكثر الشركات الأمريكية عن كتابة رسائلِ توصيةٍ لموظفيها الذين يودّون الانتقال إلى وظائف أخرى؛ لأن الموظفين الذين لم تُعجبهم نوعية الرسائل أقاموا دعاوى على أصحاب العمل وكسوبها، فكانت سبباً لانعدام الثقة بين الشركات وموظفيها السابقين (فرانسيس فوكوياما، المرجع نفسه، (374 ـــ 374)).

من مقالة بعنوان: «رأسُ المالِ الاجتماعيّ: العيشُ المشتركُ وعواملُ التفكّك في الولايات المتحدة الأمريكية»

( ٢ )

تجد واشنطن أن بكين هي المنافس الأول لها، فعبارة “الخطر الصيني” تنتشر كفوبيا، تضرب الساسة والمجتمع الأمريكي. وقد بدأت تنتشر بوضوح في عهد الرئيس أوباما، فعمل على احتواء الصعود الصيني “لإعادة التوازن إلى آسيا والمحيط الهادي”[7]، وفي عهد ترامب تزايدت فكرة الخطر الصيني، مما جعله يخوض حربًا تجارية لوقف صعودها، وقد ظهر حجم فوبيا الخطر الصيني  بشكل واضح في مقال مدير المخابرات الوطنية في عهد ترامب “جون راتكليف” الذي نُشر في مجلة فورين بوليسي، وعَنونَهُ ” الصين هي تهديد الأمن القومي رقم 1″[8]، وفيه يحذر الشعب والساسة من خطر الصين الذي يجده تهديدًا حقيقيًا على أمريكا والعالم؛ إذ إن بكين تنوي الهيمنة على العالم اقتصاديًا وعسكريًا وتقنيًا. وفي عهد جو بايدن ظهر بوضوح أيضًا حجم الخوف من صعود الصين، والقلق حول اختلال توازن القوى لصالح بكين في منطقة جزيرة تايوان وبحر الصين. وهذا ما وصفه بايدن منذ البداية بأن الصين المنافس الأخطر، وكما حذر في فبراير/شباط، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، من الخطر الصيني وقال “إذا لم نتحرك، سيهزموننا”

.. ونجد أن الدافع الرئيسي وراء الحملة الأمريكية ضد الإرهاب هو السيطرة على النفط فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالسيطرة على أفغانستان ثم العراق ثم إيران وأخيرا لإفريقيا من أجل السيطرة على منابع النفط من موقعها القديمة الممتدة من الخليج إلى مواقعها الجديدة فى بحر قزوين  وحرمان الصين وروسيا من الوصول إلي بترول بحر قزوين فنجد أن أفغانستان  تمثل أهمية إستراتيجية فيما يتعلق بموقعها الجغرافى كطريق لنقل صادرات البترول والغاز الطبيعى من أسيا الوسطى إلى بحر العرب عن طريق خط انابيب يمر عبر أفغانستان حيث أن نقل بترول بحر القزوين عن طريق روسيا سيمكنها من السيطرة على دول أسيا الوسطى كما أن نقله عن طريق إيران سيؤدى إلى دعم الموارد الاقتصادية لإيران وهذا يتعارض مع مصلحة الولايات المتحدة المتعلقة بعزل إيران كما ان نقله عن طريق الصين له مخاطر سياسية فضلا عن ارتفاع تكلفته الاقتصادية ومن ثم فأن الطريق عبر افغانستان سيحقق للولايات المتحدة هدفها في السيطرة على منابع النفط . [63] أما العراق فهو يمتلك ثانى احتياطى نفطى فى العالم بعد السعودية وهو ما يمثل 11%من الاحتياطات العالمية وهذا الرقم قد يكون أكبر من ذلك بسبب توقف التنقيب عن البترول منذ1980 بالاضافة إلى انخفاض تكلفته الإنتاجية وارتفاع جودته فضلا عن تشابك العلاقات بين رؤساء مجلس إدارة كبرى الشركات النفطية الأمريكية ورجال الحكم فى إدارة بوش فهناك نحو 100 من المسئولين فى إدارة البيت الأبيض يستثمرون فى قطاع الطاقة مما يدفعهم للضغط من أجل حصولهم على نصيب الأسد من البترول العراقي.

من دراسة بحثية بعنوان: «التغير والاستمرار فى إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي بعد احداث 11 سبتمبر»

( ٣ )

… وفي هذا الكتاب يكشف دبلوماسي إسرائيلي عن الجهود التي بذلتها إسرائيل، دون توقف لاختراق دول الخليج العربي، وترسيخ التطبيع معها، ويؤكد على أهمية المقاطعة وأثرها على إسرائيل بالشكل الذي يؤرق قادتها ليل نهار، ويدفعهم إلى العمل بإلحاح لكسر هذه المقاطعة وحث جهود التطبيع، كما يلقي الضوء على العلاقات الخفية المتشابكة بين السياسة والاقتصاد وتغيير أنظمة الحكم أيضًا.

يركز سامي ريفيل في كتابه على مسيرة العلاقات التي نشأت بين قطر وإسرائيل، والمراحل التي مرت بها بما يحمله ذلك من أسرار وتحولات ومفاجآت أيضًا، ولعل من أبرز ما يحتويه هذا الكتاب تأكيد هذا الدبلوماسي الإسرائيلي على أمرين، الأول هو ارتباط صعود أمير قطر في هذه الفترة للحكم عبر الانقلاب على والده بتوطيد العلاقات القطرية الإسرائيلية، والادعاء الثاني بعض الضغوط التي مارستها مصر على قطر لكبح جماح علاقتها المتسارعة باتجاه إسرائيل، كانت ترجع إلى قلق مصر على مكانتها الإقليمية من الناحية السياسية، وخوفًا من أن تفوز قطر بصفقة توريد الغاز لإسرائيل بدلا من مصر.

ويلح الكاتب من خلال كتابه للترويج على قضايا محددة، أولها أن إسرائيل ليست عدوًا أو مصدر تهديد لمنطقة الخليج العربي عبر القول بأن التهديد المركزي على منطقة الخليج ينبع من جانب إيران، ويري المؤلف أن ثمة خصوصية ميزت إمارة قطر التي قال إنها تحأول شق طريق خاص لها لمواجهة التحديات التي تقف ببابها، ويشيد بقطر لأنها رغم الضغوط التي تعرضت من جاراتها في الخليج العربي أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل عام ١٩٩٦ وسمحت لها بفتح مكتب تمثيل دبلوماسي على أراضيها، ويحأول الكاتب الفكاك من حقيقة الإرهاب الإسرائيلي والوحشية التي يستخدمها كقوة احتلال ضد الفلسطينيين، عبر كثرة الحديث الحديث عما يصفه بالإرهاب الإسلامي، متهما المملكة العربية السعودية بأنها أطلقت الرأدىكالىين الوهابيين لنشر التطرف، ونجد ان الكتاب مليء بالمعلومات والأسرار، التي تكشف كيف نشأت العلاقات بين قطر وإسرائيل.

تنبع أهمية هذا الكتاب أن مؤلفه سامي ريفيل يعد ممن كان لهم باع طويل في دفع التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، خاصة إذا علمنا أنه كان أول دبلوماسي إسرائيلي يعمل في قطر؛ حيث كان رئيس أول مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة خلال الفترة من عام ١٩٩٦ إلى عام ١٩٩٩، ومن هذا الكتاب يتضح لنا أنه لا يمكن ائتمان الإسرائيليين على أي  أسرار، فهم سرعان ما سيكشفون ما اؤتمنوا علىه من أسرار، سواء بدافع  الوقيعة بين صاحب الأسرار ورفاقه، أو بدافع الاستفادة بهذه الأسرار، سواء عبر الاتجار بها، أو  تحسين صورة الإسرائيلي نفسه ليقدم نفسه إلى الآخرين بأنه كاتم اسرار فلان الذي ائتمنه على خصوصياته، ولم يأتمن صديقه العربي.

مسألة الحدود في النظرية السياسية مسألة هامة في تعريف الدولة جغرافيا ودستوريا, تعتبر الحدود أحد أهم العوامل في تعريف الدولة الحديثة, إذ أن الحدود تحدد الإقليم الذي تقوم علىة الوحدة السياسية والإدارية التي تصبح فيما بعد دولة, ويتفق الجميع أن إسرائيل لا تملك حدودًا ثابتة في كل الجهات تقريبًا حتى بعد عقد اتفاقية السلام مع مصر والأردن, لهذا نجد أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بدون حدود دولية معترف بها من قبل المجتمع الدولي.[54] أن مسألة الحدود في إسرائيل ليست مقتصرة على كونها مسألة سياسية أو جغرافية فقط بل هي مسألة أيدولوجية أيضًا, النصوص الدينية لدي اليهود مختلفة في ترسيم الحدود لأرض إسرائيل كما ظهرت في التعإلىم والنصوص التلمودية فهناك حد أدني وحد أقصي للحدود, الحد الأدني يشمل منطقة “دان شمالا إلى بئر السبع جنوبا” ومن الشرق “بأدىة الشام شاملة الضفة الشرقية من الأردن”، أما الحد الأقصى: يشمل “وأدى العريش وصحراء سيناء” , والجنوب “خليج العقة ” وفي الشمال الشؤقي “نهر الفرات”, أي من “نهر النيل إلى الفرات”.[55]

وعلى الرغم من أهمية التطرق لمسألة الحدود في الفكر اليهودي الديني, إلا أن أهميتها التاريخية كانت هامشية في الفكر الصهيوني, فأرض إسرائيل كانت خاضعة لتعايش سياسي وأيدولوجي داخل الحركة الصهيونية.

ومن  هنا يركز الباحثون على مسألة الحدود والأراضي بين الأردن وإسرائيل, فقد اختلفت وجهات النظر الأردنية والإسرائيلية فيما يخص الأراضي التي قامت إسرائيل باحتلالها في الأردن, التي قامت سلطات الانتداب البريطاني تحديدًا أبان فترة الانتداب، فقد ترى الأردن أن مساحة الأراضي التي احتلتها إسرائيل تبلغ  نحو 3800084كم2 في وأدى عربة, ولكن ترى إسرائيل أن مساحة هذه الأراضي لا تتجأوز 325كم2,أما أرض الباقورة تشكل نسبة 8% من مجموع الأراضي المحتلة, حيث قامت إسرائيل  في عام 1950م باحتلالها, وتبلغ مساحة أرض الباقورة المحتلة ما يقارب 850كم2,

تقسم الأراضي التي تحتلها إسرائيل في وأدى عربة إلى أربعة مناطق, تقع الأولي على رأس خليج العقبة غرب مدينة العقبة تسمي ( أم الرشراش) , المنطقة الثانية في وأدى عربة شمال الخليج, وإلى الشمال تقع المنطقة الثالثة, المنطقة الرابعة: تقع شمال مطار العقبة.[56]

فيما يتعلق برسم الحدود بين الأردن وإسرائيل فقد تم الأتفاق بموجب المادة (3), الملحقة (أ\1) من المعاهدة على أن الحدود الدولية تشكل من القطاعات الأتية: (نهر الأردن وإلىرموك, البحر الميت, وأدى عربة, خليج العقبة)

من خلال ماسبق عرضه, تتمحور وجهة نظر الباحثين في تلك الجزئية حول: أنه لا يوجد مبررًا للحكومة الأردنية بالتنازل عن السيادة الكاملة للأردن على كافة المناطق السابق ذكرها بموجب اتفاقية وأدى عربة, وخاصة منطقة الباقورة التي تمثل نقطة التقاء نهر اليرموك بنهر الأردن بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي يمثل أهمية عسكرية, وكذلك فأن استعادة أراضي الباقورة للسيادة  سيجعل المواطن الأردني يشعر بأن الحكومة الأردنية قادرة على  استعادة أراضيها كاملة السيادة غير منقوصة. ومن الجدير بالذكر, عند تقسيم الحدود بين الأردن وإسرائيل تم الاعتماد على ترسيم الحدود التي وضعها الأنتداب البريطاني, وليست على أساس قرارات مجلس الأمن رقم (242\ 383) الذين تم الاستناد علىهما في مقدمة المعاهدة, فهذا يمثل خروجًا عن المرجعية الشرعية للمعاهدة.[57]

السياسة الخارجية الإسرائلية تجاه التطبيع الخليجي عقب 2020 | دراسة حالة (الإمارات _ البحرين)

( ٤ )

يعود تاريخ توظيف الحيوانات في الدبلوماسية إلى مصر القديمة, وهناك من يرجعه إلى مرحلة أقرب, وهي مرحلة “الاستعمار”, إذ تم تقديم أنواع مختلفة من الحيوانات كهدايا أو رشاوى أو تعويضات, وفي أحيان أخرى كان منحها يدل على الخضوع أو التحالف, وكانت الحيوانات التي يتم منحها ذات قيمة عالية في موطنها بسبب مظهرها الجسدي أو ضراوتها أو ندرتها, وكانت بمثابة وسيلة يمكن من خلالها لرؤساء الدول الفقيرة التأثير على الدول القوية, ومن أبرز الأمثلة على ذلك, حديقة الحيوانات الملكية في المملكة المتحدة التي احتوت على حيوانات قدمت كهدية من رؤساء الدول حول العالم إلى التاج البريطاني, وجدير بالذكر أن جميع هذه الحيوانات قد اضيفت إلى مجموعة حديقة حيوانات (Regents Park Zoo) عندما منح الملك (ويليام الرابع) لأمناءها حديقة الحيوانات الملكية في العام 1831, وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية برزت ملامح دبلوماسية الحيوان (Animal Diplomacy) التي تعرف اليوم بأنها: “استخدام الحيوانات المحلية لأغراض دبلوماسية”

عندما جلب التجار حيوان الباندا إلى الدول الغربية ومن ثم عرضه في حدائق الحيوانات في ثلاثينيات القرن الماضي, لفت انظار الصين اهتمام الشعوب الغربية وانجذابها نحو حيوان الباندا, وعليه جعلت الحكومة الصينية جميع حيوانات الباندا في الصين – التي تعد الموطن الأصلي للباندا – ملكاً للدولة وأصبحت تعدها كنزاً وطنياً[2], ولم يتم تصدير المزيد منها إلى الخارج, وفي العام 1941 قدمت زوجة الزعيم الصيني (شينغ شاي شيك) زوجان من الباندا إلى الولايات المتحدة تعبيراً عن شكر وتقدير للحكومة الأمريكية على مساعدة الصين في محاربة اليابان, وعندما وصل الشيوعيين إلى السلطة في العام 1949 أعاد الرئيس (ماو تسي تونغ) إحياء ممارسة منح الباندا للحلفاء, فتم تقديم الباندا إلى الاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية[3]. وبعد شهرين من رحلة الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) التاريخية إلى الصين في العام 1972 والتي أنهت 25 عاماً من العزلة والتوتر بين الصين والولايات المتحدة, أرسلت الحكومة الصينية زوجان من الباندا كهدية إلى الشعب الأمريكي[4], وهكذا استمرت الصين بتقديم الباندا كهدايا إلى الدول التي ترغب في بناء علاقات دبلوماسية معها, ومنذ منتصف الثمانينيات, توقفت الصين عن تقديم الباندا كهدايا إلى الحكومات الأجنبية, ولكن دبلوماسية الباندا (Panda diplomacy) التي أصبحت تعرف بهذا الأسم على نطاق واسع لم تتوقف[5], إذ أخذت تتجلى في ثلاثة أشكال جديدة[6]:

  • تأجير الباندا للحكومات الأجنبية مقابل مليون دولار سنوياً[7], و وفقاً للإحصائيات تعيش حيوانات الباندا المملوكة للصين في 25 حديقة حيوان حول العالم[8].
  • إرسال الباندا إلى الخارج للمشاركة في المعارض قصيرة الأجل.
  • إرسال الباندا إلى الخارج في إطار البحث والتعاون العلميين.

وهكذا دخلت دبلوماسية الباندا على مسرح دبلوماسية الصين المعاصرة وأصبحت تمارسها الحكومة الصينية لخدمة أهداف سياساتها الخارجية.

لدى الصين حالياً ثاني أكبر إقتصاد, وثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة[14], ومن المتوقع أن تصبح الصين القوة العظمى الأولى على مستوى العالم في الأعوام القادمة, وفي ظل هذه المعطيات الجديدة التي أثارت قلق ومخاوف عالمية من الصين والتي انطلقت من المراكز الأكاديمية والسياسية في الولايات المتحدة لتنتشر في جميع أنحاء العالم[15], تحاول الحكومة الصينية خلق تصور إيجابي عالمي عن الصين بين مستخدمي الإنترنت في العالم[16] عن طريق ربط صورتها الدولية بالباندا اللطيفة التي بالرغم من ضخامة حجمها إلا أنها مسالمة ولا تؤذي أحداً, وعليه يمكن القول: إن الصين تسعى إلى إجراء تغيير في صورتها التقليدية المرتبطة بالكائن الأسطوري (التنين) التي أصبحت لا تبعث برسائل إيجابية أو لا تتلائم مع الواقع الجديد الذي تشهد فيه قوة الصين صعوداً مستمراً. فهل ستكون الصين مستقبلاً وبعد أن تتعاظم قوتها, مسالمة مثل الباندا ولا تتصادم مع القوى الأخرى, يبقى السؤال متروكاً للمستقبل ليجيبنا عنه.

الباندا بدل التنين | دبلوماسية الباندا الجديدة للصين | أحمد عقيل عبد

( ٥ )

في النصف الأول من القرن السابع عشر، أسفرت حروب لويس الرابع عشر، بعد أن زالت سيطرة الامبراطورية النمساوية على المقدّرات الأوربية، عن تفوّق كاسح لفرنسة على الملكيات الأوربية الأخرى، وحين عزم ملك إسبانية في أواخر القرن على أن يخلفه على العرش الإسباني الابن الثاني لولي العهد الفرنسي، خشيت أكثرية الدول الأوربية من هذا الامتداد المتزايد للسيطرة الفرنسية فتحالف إمبراطور ألمانيا وملك إنگلترة ودوق سافوا ثم انضم إليهم ملك البرتغال ضد الأطماع الفرنسية، باسم إعادة التوازن، وانتهت الأزمة بتوقيع معاهدة أوترخت سنة 1713 التي قضت على فرنسا وإسبانيا بالتخلي عن توحيد العرشين، كما قضت على لويس الرابع عشر بالتخلي عن الممتلكات التي كان غزاها، فعاد توازن القوى إلى ما كان عليه واستمرَّ ثلاثة أرباع القرن الثامن عشر إلى أن شبّت الثورة الفرنسية وألغت الملكية وأعلنت النظام الجمهوري.

في البداية  كانت افكار كونفشيوس  التي تدعو إلى اقامة حكومة فاضلة يكون الحاكم فيها فيها حاكما مطاعا  ذا واجبات ومسؤليات والمحكوم فيها محكوما مطيعا ذا حقوق واجبة القضاء. وساعد على ذلك الطبيعة المسالمة للشعب الصيني، فقد انتقلت الصين بعد ذلك إلى تبني الايدولوجية الاشتراكية بعد تأثر الصينين بكبار الماركسيين وتحركوا نحو الاشتراكية ومبادئها التي ارسى قواعدها (zedog) ورفاقه الشيوعيين. وبعد هذا استقرت الصين على تبني ايدولوجية النفعية البرجماتية القائمة علي المصالح والتي دشن ركائزها الليبراليون الجدد، بداية من الزعيم الصيني (Deng Xiaoping) وحتى الرئيس الصيني الحالي (Hu Jintao) هم اللذين تأثروا بنمط الحياه الغربية. ولقد تبنت الصين مبدأ النفعية البرجماتية منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي تحديدا عن طريق الصفوة الحاكمة في حقبة ما بعد ماو. ويرى البعض أن المدينة الصينية قد تغيرت تغيرا اساسيا بسبب اتصالها بالمدينة الغربية، ويؤمن الصينيون بأن الافكار القائمة على الايدولوجية كأداة فعالة  لتصنيف الاصدقاء والخصوم أصبحت أدوات ومعايير غير واقعية، وبالتالي قد اقامت الصين علاقات مختلفة مع كل دول العالم من أجل الاستفادة والمنافع الاقتصادية القائمة على تحقيق المصالح الصينية وهو ما كان يمثل هدف القيادة الصينية في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين والقائم على التحديث والاصلاح والانفتاح على العالم الخارجي على اساس المنفعة المتبادلة. كذلك هناك عامل اخر حفز الصينيين على انتهاج النهج البرجماتي النفعي بشكل متسارع ألا وهو ظهور النقائص ونقاط الضعف  في النموذج الماوي خلال حقبة الثورة الثقافية والتي ادت إلى تخلف الاقتصاد الصيني مقارنة بدول جواره الاسيوية. ويؤكد بعض الباحثين على أن الصين لم تتجه لتبني النهج البرجماتي والاصلاح الثقافي  لأنها ترفض الاشتراكية بصفة عامة لكنها اتجهت إلى الاصلاح لاعادة تصحيح المنهج الخاص بالتطبيق الاشتراكي بهدف تحقيق التحديث ولكن وفقا للخصوصية الثقافية الصينية وقد تجلي ذلك في اعتماد الصين على اسلوب الرجوع لاراء الخبراء الفنية والمهنية دون اخذ الاعتبارات الايدولوجية ولاعداد دراسات الجدوى الاقتصادية المزمع اقامتها واعطاء القطاع الخاص دورا مكملا في الحياه الاقتصادية. 

وصف جمهورية الصين بأنها “دولة قومية “ ينطوي على مغالطة كبيرة حسب قول أحد الكتّاب الصينيين: «الصين حضارة تتظاهر بأنها دولة قومية، وعلى هذا الأساس تولدت سياسة مختلفة عن سياسة الدولة القومية التقليدية. فمنطلق الكتابة من أعلى الي أسفل، ومن اليسار إلى اليمين منطلق مزدوج  يساير الفلسفة الصينية في ثنائية الاضداد بين الين”(الذي تمثل الانوثة والرطوبة والنور ) واليانغ (الذي يمثل الرجولة والجفاف والظلام) حيث يعتقد الصينيون ان الاضداد لا تتنافر وانما تتعايش ويتفاعل بعضها مع بعض. وهو ما يعرف بمبدأ ” وحدة الاضداد“ ومنه ما جاءت تسميه الصين “حضارة الوسط”. وهذه هي الحكمة  التي بنيت عليها الفلسفة الكونفوشيوسية القديمة التي انضمت اليها الفلسفة البوذية الوافدة من الهند برداء صيني. ثم وفدت علي الصين النصرانية والحضارة الاسلامية في بعض المناطق  وعاش الجميع في شبه وئام حتي جاءت الماركسية وحاولت القضاء على هذه الفلسفة العريقة ومحو قيم الحضارات علي أرض الصين ولكنها لم تستطع القضاء عليها حتى جاء الانفتاح والاصلاح في عهد دينغ شيار بينغ فعادت العقائد الدينية  للظهور على استحياء مسترجعة مواقفها السابقة. بالرغم من أن الصين من أقدم الحضارات فإن ذاكرة  هذه الحضارات لا تزال حاضرة ونشطة ومؤثرة وفعالة حتي الان، فهي أقدم بلد استمر  موجودا في العالم، حيث من المؤكد ان تاريخه يرجع إلى عام 221 ق.م. فحينما يستخدم الصينيون مصطلح الصين فهم لا يشيرون بذلك الى بلد أو أمة في غالبية الأحيان بل  إلى الحضارة الصينية. فالصينيون يعيشون في داخل تاريخهم ومن خلاله هم متشبثون به بقوة ويرون أن قوتهم تكمن في المحافظة حضارتهم. وفي هذا الصدد يري الباحث الصيني (جين جوانتار )  أن الاسلوب الوحيد لوجود الصين هو ان تعيش ماضيها مرة اخرى وليس هناك آلية مقبولة في الثقافة تمكن الصينيين من مواجهة الحاضر سوى ان يلوذو بقوة إلى ارائهم ويستلهموها من أنفسهم. ولعل التفسير الذي جاء به مالك بن نبي  اقدر على تفسير تفوق الصين القديم والحالي, فهو يعتقد بأن كل الحضارات في التاريخ تتكون من 3 عناصر وهي : الانسان والتراب والزمن.

مقتطفات من دراسة بحثية طويلة عريضة بعنوان: «تحول القوة وتأثيرها علي الصعود الصيني (2018-2008)

( ٦ )

تُعد قضية تايوان أحد بؤر التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية، فالصينيون لديهم حساسية خاصة فيما يتعلق بتايوان، حيث يعتبرونها جزءاً من الصين الواحدة ولا يمكن التفريط فيها أو قبول استقلالها وانفصالها عن الوطن الأم إلى ما لا نهاية. كما أن الوجود الأمريكي العسكري والسياسي في تايوان, وموقف واشنطن الداعم للسياسة التايوانية, رغم التصريحات الأمريكية النافية لذلك أحيانا, يمثل تحديا وقلقا بالغين لدى الصين. وبالإضافة إلى ذلك, فإن طموحات الصين لتصبح قوة دولية عظمى, ترتبط إلى حد كبير بما ستؤول إليه قضية تايوان. فإعادة هذه الجزيرة إلى الصين تعني مزيدا من القوة السياسية والاقتصادية, بينما تعني في الوقت ذاته تقلص الوجود والنفوذ الأمريكي في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا, وعلى المستوى الدولي بشكل عام.

يعود تاريخ الصراع الصيني الاميركي اليوم بسبب دعم هذه الأخيرة لجزيرة تايوان إلى العام 1949م. وهو نفس العام الذي تعود إليه جذور الصراع الصيني مع تايوان نفسها نتيجة سعيها المتواصل للاستقلال والانفصال عن بر الصين الرئيسي. ظلت تايوان تتبع الصين حتى سنة 1859م ثم استولت عليها اليابان وفقا لمعاهدة سيمونسكي. قاوم الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ الصيني بشكل مشترك القوات اليابانية التي اعتدت على الصين. وبعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، عادت تايوان إلى الصين في سنة 1945م. ولكن بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية وحرب المقاومة الصينية ضد الغزاة اليابانيين، رفض حزب الكومينتانغ الصيني برئاسة الجنرال جيانغ كاى شيك فى عام 1945 م, تأسيس حكومة ائتلافية مع الحزب الشيوعي الصيني وشن الحرب الأهلية منذ عام 1946 م للقضاء على الحزب الشيوعي الصيني وتأسيس حكومة تحت سيطرة حزب الكومينتانغ وحده. ولكن بعد توقف الحرب الأهلية التي استمرت ثلاثة أعوام، وانتصار الحزب الشيوعي الصيني رغم ضعفه عسكريا على حزب الكومينتانغ بفضل الدعم القوي من قبل الشعب, شكل ذلك الانتصار الولادة الحقيقية للحزب الذي لا يزال يدير جمهورية الصين الشعبية إلى يومنا هذا, على اثر ذلك الانتصار انسحبت قوى حزب الكومينتانغ من بر الصين الرئيسي إلى جزيرة تايوان جنوب شرقي الصين بتشجيع من الولايات المتحدة الاميركية التي ظلت إلى يومنا هذا تدعم حكومة تايوان.

كان تقرير “القوّة العسكرية للصين 2006” و هو تقرير سنوي يرفعه البنتاغون إلى الكونغرس و يقع في 58 صفحة من أكثر التقارير التي تحدّثت عن الهاجس من القوّة العسكرية الصينية لدرجة دفعت البعض بالقول انّه يؤرّخ لمرحلة حرب باردة جديدة مع الصين. ويقول التقرير “أنه طالما تنامت القوة العسكرية الصينية فإن المهام الاستراتيجية لتلك القوة ستتغير أيضا، والتاريخ الأمريكي نفسه يعلم جيدا أنه مع زيادة القوة العسكرية للأمة تنمو معها الطموحات” ويضيف التقرير أنّه وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار الطبيعة الغامضة للتخطيط العسكري الصيني وأساليب اتخاذ القرارات الحكومية، فإنه لا يكون أمام المحللين الغربيين إلا التخمين بالاتجاهات التي ستأخذها القوة العسكرية الصينية المتنامية، وإذا ما فتحت الصين نظامها السياسي لأمكن للولايات المتحدة والقوى الإقليمية الأخرى أن تعرف بصورة أفضل طموحات بكين للمدى البعيد، ولكن يبدو أن هذا أمر غير ممكن على الأقل في وقت قريب، فالسرية والخداع والمفاجأة تبقى المكونات الأساسية للاستراتيجية الصينية.

توقع كل من “هنرى كيسنجر” و”ريتشارد نيكسون” في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، أن الولايات المتحدة في طريقها إلى الانحدار, وأن العالم يتجه نحو التعددية القطبية؛ إذ يرى “ناي” أن ذلك الرأي صحيح من ناحية واحدة, لأنه في عام 1945 استأثرت واشنطن بحوالي نصف اقتصاديات العالم, وكان ذلك نتيجة تدمير أغلب الاقتصاديات الكبرى في الحرب العالمية الثانية، ولكن عند قياس نصيب الولايات المتحدة من الناتج العالمي خلال الفترة بين 1945–1970 فإن هناك انخفاضاً باستمرار خلال هذه الفترة مما يقرب من 50% إلى حوالى 25% عام 1970. ومن ثم، قد يكون “نيكسون” و”كيسنجر” أدركا ذلك الانخفاض على أنه تدهور في القوة الأمريكية, ولكن ما أساءوا فهمه هو استمرارية هذا الانهيار، وهو ما لم يحدث واقعياً، ولذا فبدلاً من توقعهما بأن العالم سيكون متعدد الأقطاب، أصبح بنهاية القرن العشرين أُحادي القطبية بزعامة أمريكية. ولعل المتتبع للنظام العالمي يلاحظ صعود وبروز الدور الصيني على الساحة الدولية بشكل ملحوظ. ويذهب البعض إلى أن الصين سوف تصبح القوة الأولى فى النظام العالمى بحلول العام 2050م والبعض الأخر ينظر إلى أن ذلك سوف يحدث في نهاية الربع الأول من القرن الحالي.

تحقيقًا لمسعى الاحتواء الحتمي للصعود الصيني، ستسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على إبعاد بكين قدر الإمكان عن فكرة غزو أحد جيرانها، أو امتداد نفوذها في آسيا بشكل عام، حتى لا تصبح قوة إقليمية مهيمنة على هذا الجزء من العالم، وذلك عن طريق: تشكيل أكبر عدد ممكن من التحالفات مع جيران الصين من أجل تقييد حركتها، كما حدث مع الاتحاد السوفيتي لاحتوائه من خلال تشكيل حلف الناتو. إلا أن المعضلة التي ستواجه الولايات المتحدة في هذا الأمر أن الدول المحيطة بالصين ليست بنفس قوتها، ولن تكون يوما، وبالتالي فلن تستطيع المواجهة إذا وُضعت فيها، فضلا عن أن المسافات بين تلك الدول وبعضها كبيرة جدا. لذا، سيصعب على الولايات المتحدة أن تكون حاضرة بالشكل الذي ترغبه. ومن ثم، فإن أمام القادة الأمريكيين ثلاثة بدائل أساسية، يتمثل الأول والثاني في ضرورة تخييب كل مساعي الصعود الصيني، سواء من خلال شن حرب وقائية ضد بكين، وهو البديل الصعب تحقيقه، أو فرض سياسات من شأنها أن تبطئ من النمو الاقتصادي الصيني. وبرغم جاذبية هذا البديل، فإن تحقيقه سيضر بالجانب الأمريكي أيضًا، كما سيضر بنظيره الصيني. فإذا أوقفت الولايات المتحدة استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الصين، فإن العديد من دول أوروبا ستسعى لاحتلال مكانة أمريكا في التعاون مع الصين وإمدادها بما تحتاج إليه، ما دام ذلك يحقق ذلك مصلحتها. بالإضافة إلى ذلك، فحتى لو آتت تلك السياسات ثمارها، فإنها فقط ستبطئ النمو، ولن توقفه. أما البديل الأخير، فيرتبط بفكرة تشتيت الخصم وإضعافه من خلال قلب أنظمة الحكم الموالية له، أو حتى إثارة القلاقل داخله. فالنظام الحالي في باكستان- على سبيل المثال- موال للصين، وبالتالي ستسعى الولايات المتحدة للدفع نحو قلب هذا النظام، كي تضع على رأسه قائدا مواليا للولايات المتحدة. واستمرارًا للاستراتيجية نفسها، ستسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على سيطرتها على المحيطات الدولية، حتى تصعِّب من إمكانية وصول الصين للمناطق البعيدة كمنطقة الخليج العربي، أو نصف الكره الغربي بالتحديد من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن هذه السيطرة ستضمن لها ولاء الدول المجاورة للصين التي تسعى لإيجاد حليف دولي يضمن بقاءها في حالة الاعتداء عليها من قِبَل الصين.

مقاطع من دراسة بعنوان: «أثر العلاقات الصينية – الامريكية على النظام الدولي»

  • جميع النصوص من موقع المركز الديمقراطي العربي.

إياك أن تفعلها . .