– حب فاسق.


أحبك، وأحب ليرمنتوف كثيرا، كما أحب المانغا. ليرمنتوف هو فاكهة لذيذة من فواكه الأدب الروسي العديدة، وعندما أقرأ له أشعر وكأني ألحس منغاية باردة وجوسي وتطير العقل. ولهذا، أنا أحب هذا الأدب أكثر من أمي. أمزح طبعا، ولكن بما معناه: الأدب الروسي شيء عظيم وجوسي ومفيد. وهو أقرب إلى العلم، علم الإنسان الجريح والقوي والضعيف والجبار والحقير والجميع. وهو شامل الشمول، ونابش النفوس، ومحرك القلوب والعقول واللسان والعيون. وقد يبدو مملا في بعض الأحيان، ولكن هذا طبيعي، فهو انعكاس للحياة، والحياة في ذاتها اصلا مملة، لهذا نحن نعمل كثيرا، ونقرأ، ونتزوج دائما، ونتطلق لأتفه سبب، ونحلم يوميا بالجنة. وأشعر بأني لو كنت شخص ما في إحدى الروايات، فسأكون موجود في الفصل الثالث لرواية روسية بلا أدنى شك، فأنا روحي يسكنها الثلج والبرد والعصبية حد النخاع، مثل أهالي القرى في سيبيريا. وأنا أجزم أنني ولدت في البلد الخطأ، بمذهب ليس لي به أي صلة صادقة أو صلبة، وبلغة لا أحبها بعمق، والدليل على هذا أخطائي النحوية الكثيرة وعدم اكتراثي بالمراجع الدينية، أو لا، لا، ربما السبب هو أن أول امرأة ضاجعتها في حياتي كانت امرأة روسية ذات جمال جسدي خارق، ولهذا، أنا إلى اليوم أشعر بالتشرد والغربة عند مرافقتي امرأة عربية مرافقة عاطفية. إن دمي يغلي من شدة حرارة الصقيع كما يحرق فلاح قوقازي الحطب في الشتاء، ولم أجد النور إلا في داخلي أنا، لأني بلا ضمير، لهذا كلما نظرت إلى الخارج، لطمني الظلام المشع من شدة العتمة على وجهي.

  • منعطف.

أنا عشت بسرعة في الحياة ولكن بشكل بطيء، أبطأ من المطلوب، كان عليّ أن أسرع في أشياء، وأتباطئ في أخرى، والعكس صحيح، ولكنني أخذت الطريق القصير لأن صبري قليل، لهذا كل من أعرفهم إما في مقدمتي أو خلفي، لا أحد يمشي بجواري. هذه ضريبة أن تعيش بحرية غير محسوبة، وتظن بأنك الإنسان الأعلى لأعلى إنسان، بينما أنت في الحقيقة حافي منتف. لعن الله سوبر مان ونيتشه والأدب الروسي. وهذه ضريبة أن تعتقد أنك تستطيع العيش دون إيمان صادق، أو إله عادل، مع أنك تعرف في قرارة نفسك أنك عبد ذليل، سواء إلى الله، أو الحكومة، أو جهتك الوظيفية أو عائلتك أو لهاتفك أو شهواتك أو اكتائبك، وإلخ إلخ. وهذه ضريبة أن تصدق بأن ثمة مخرج من هذه الدائرة، بغير الحب. لأن الحب هو الشيء الوحيد القادر على خرق المجال الجوي لأي جهة تمنع وصول الإنسان إلى مبتغاه، حتى لو كانت هذه الجهة محمية بمليون بطارية باتريوت على هيئة حلمات سمراء كالبن. أنا صاروخ على هيئة ثعلوب صغير انطلق في الهواء ثم انفجر في السماء بلمح البصر دون انتباه من أحد، لهذا أنا أشعر بأني حيوان، وأني لست من سكان هذه الأرض، أي كوكب الأرض بأكمله، بغض النظر عن أين ولدت وترعرعت ومكثت في صباي.

لقد جربت أن أطير، وكنت أنسى أني بلا أجنحة، كانت النجوم في الليل تغريني، كأنها حوريات البحر، كنت أسمع وأنا صغير أصوات جميلة تغني لي من خلف الغيوم، تغريني للصعود، لهذا كبرت وأنا أحب الموسيقا والأماكن المفتوحة العالية، كلعبة الأخطبوط ولعبة النسر في مدينة ألعاب الأمير محمد بن فهد، وكبرت وأنا أحب المرأة الحنونة التي تحب الدلع، وأحب السفر والصيد والجمال، كأن ما يقال عن أن كل شيء حدث لنا في طفولتنا، يتكرر لنا باستمرار ولكن بطريقة أخرى، كأن هذا الكلام صائب نوعا ما، ولكن أغلبنا لا يفكر في طفولته كثيرا، حتى وإن بدا العكس، والسبب هو أن أغلب الناس طفولتها كانت حزينة، والحزن عاهرة روسية جميلة خارقة الجسد، ومضاجعة الحزن دون طائل كانت خطيئتي الحقيقية.

البواب الذي قال عنه كافكا أنه يقف أمام القانون: دائما ما تلفتني العبارات الأدبية التي تتكون من ٤ كلمات فقط، كبداية قصة أمام القانون لكافكا، من أين لهذا الصعلوك اليهودي كل هذه القدرة على البراعة في اللعب بالرموز؟ لا تقل لي قمع وقسوة والده عليه، لعن الله والد كافكا وخصوصا والد أحمد صديقي الصدوق، اليهود يا مولاي أشرف من والد أحمد بمليون مرة، رجل سافل وسكير وعفن وظالم، ظلم أحمد كثيرا، يعامله هو وأمه وكأنهم حشرات، الرجل الذي يمد يده على امرأة وهو بلا وعي، يستحق الصلب من الخصيان وهو بكامل وعيه، ماذا كنت أقول؟ أحب ليرمنتوف كثيرا، وأحب كتابة كلمة خصية، أشعر بأنها معبرة وتختزل الكثير من المفاهيم، وأحب قراءة مجلة العربي، تماما كما كان يفعل أبي، فأنا اليوم صرت من يشتريها له، بينما في السابق، العكس صحيح، كان هو الذي يشتريها لنا، أنا وأخي الكبير. القراءة دعوة إلى الإستقلال. سر من أسرار الحياة الكثيرة موجود في الكتب، من يكتشفه، سيشعر وكأنه سقط من سلالم المحطة على رأسه أمام جميع الناس، ذلك لأن الكتابة فضيحة، ونحن، بني البشر، نحب الفضائح، فهي تثير الانتباه، وتغذي الأحاديث الجانبية، والأحاديث الجانبية مهمة جدا جدا في هذه الزمن الأخرس، والمشي مهم أيضا، لا تكن كهشام الذي يعمل من السادسة صباحا حتى السادسة مساءا ثم يعود لمنزله ويجلس متعبا من الكرسي ومن أوامر مديره على الرغم من راتبه الخرافي ليشتكي لي كل خميس من ضغوطات الحياة ووجع الظهر.

إن معرفتي بهشام طويلة نوعا، فنحن كنا نسكن في نفس الشقة عندما كنا ندرس في كالفورنيا قبل أكثر من ١٢ سنة. كنت أعيش معه ومع أيمن. أيمن تزوج من معلمته الأمريكية جيسكا، التي كانت لا تحب هذا الاسم، فاخترنا لها اسم آخر وهو ريم. فصرنا نناديها ريم. جيسكا، أو ريم، فتاة امريكية مسيحية بيضاء متواضعة، أطول من أيمن بشكل لافت وأكبر منه في السن، نحيفة، أنفها ممشوق ولون شعرها بني حريري يتخلله بعض البياض. وقد كانت تتمتع بقدرة عالية على الملاحظة وذكاء صاخب بلا جهد. وكانت محتشمة وتنعم بثقافة وعيون واسعة، وتملك سيارة ليكزس فارهة. أذكر في يوم من الأيام، وبينما كنا نتناول الافطار أنا وهي وهشام وأيمن، سألتني فجأة عن رأيي في الملك عبد العزيز، فقد كانت وقتها تقرأ بعمق عن تاريخ المملكة العربية السعودية والإسلام بشكل عام. وقد كانت تحب مناقشتي في الأمور السياسية والدينية أكثر من أي أحد آخر. ولأنها كانت تعرف حقيقة مشاعري من المشايخ والملكيات والملوك والأنظمة الشمولية وخصوصا من سياسات أمريكا العنجهية، فقد كانت تخاف عليّ جدا، ولم تكن تخاف عليّ فقط من هذا، بل إنها كانت تحرص ألا أبوح بجميع أرائي بهذه الجرأة والشفافية، خصوصا أمام أخوها. فذات يوم، وبينما كنا في كوخ رائع يملكه والدها، الذي يقع في احدى غابات مدينة سكرامنتو، وكان معنا أخوها، الذي لم أكن أعرف عنه أي شيء، أذكر أنها أخذتني جانبا، وطلبت مني ألا أتحدث معه في الشؤون السياسية وخصوصا حوادث الارهاب، كتفجيرات ١١ سبتمبر مثلا، وعندما سألتها عن السبب، أخبرتني أنه سيعمل بعد شهر مع وكالة الاستخبارات. فدفنت عواطفي وأفكاري في أعماق نفسي، وأصبحت مشلول الروح أمامه. وكنت أتألم وأضحك في نفس الوقت. أتألم لأني لا أستطيع الرد على ما يقول، وأضحك لأن كل هذا يحدث في بلد يفتخرون سكانه بأنه احدى منارات الحرية. ربما لهذا، لم أكن أشعر بالحرية كثيرا في أمريكا، ولكن لم تكن روحي محطمة وذليلة هناك كما هي هنا في وطني. لم تكن الحياة ذابلة، ولم أكن أشعر بالغربة والظلم والتنكيل. وكنت شابا صغيرا، في مقتبل العمر، على عتبة العشرينات، تشع مني روح المغامرة ومحبة حرية التعبير والحياة. وكنت أتميز بحالة نفسية جيدة، على الرغم من أنني كانت أعاني من الاكتئاب المرير الذي انتقل لاحقا من روحي لجسدي. عموما، بالعودة إلى الموضوع الأساسي، يسعني القول إنه كان لدى ريم شخصية قوية يمكنك أن تحسها في عيونها. لا أستطيع أن أنسى كيف أنها ذات ليلة، بينما كنا نجلس أمام شقة أحد الأصدقاء، نشرب، وندخن، ونثرثر، اقتربوا منا بعض البشر الذين كانوا كلهم ينتمون إلى نفس البلد. كانوا جماعة من ألمانيا، حضروا لكاليفورنيا عبر برنامج تبادل الطلاب. وكانوا يوميا، ولمدة ٤ أشهر، يتجهون بشكل منظم، بعد الظهيرة، ويستلقون في المسبح كالبط ويشربون البيرة. في تلك الليلة، أتى لنا أحدهم، وجلس معنا، وتعرف علينا، وكانت معه امرأة شقراء في يدها كأس أحمر يحتوي على مشروب روحي لا أعرف ما هو. وبينما كنا نتحدث ونتبادل الحكايات، تطرقنا إلى موضوع الحجاب، فرمت المرأة الشقراء علينا بعض الاتهامات الوقحة بالتخلف والاضطهاد وما شابه ذلك. كنت وقتها جالسا على عتبة باب الشقة، في يدي سيجارة وعصير موز، وكان هشام معجب بهذه المرأة الألمانية الشقراء الوقحة، وقد كان يريد مضاجعتها لا أكثر ولا أقل، لكنها عندما تفوهت ببعض العبارات البغيضة، انتابته موجة غضب هادرة، لكنه لم يتفوه بكلمة. وعندما سألته عن سبب صمته، قال لي: «إنها ثملة، دعها تصدق أنها بطلة زمانها». الشخص الوحيد الذي هب لنجدة سمعة الإسلام ومعنى الحجاب هو ريم. كان مشهدا جميلا، خصوصا عندما كان وجهها يكفهر وهي تقاطع حديث تلك المرأة الحمقاء. فعلى الرغم من أن ريم لم تصبح مسلمة، ولم تتحجب، إلا إنها كانت ترفض رفض قاطع لأي تعميم ينال من المسلمين سواء سنة أم شيعة. وكانت ما تعيشه معنا يخالف كل ما كانت تراه عنا في الأفلام أو نشرات الأخبار وحتى بين طيات الكتب. وكانت تعي طبيعة الاختلافات بين ما تسمع عنه وبين ما تعيشه. فهي سكنت معنا، وخطفت قلب أحدنا، وتبنت لنفسها اسم عربي، ووجدت بيننا ما لم تجده في بيئتها أو بين جماعتها الأصلية. وكانت تغدق عليّ بالهدايا وأجمل العبارات، وكان هذا الشيء، في بداية الأمر، يضايق أيمن كثيرا، وقد كان السبب وراء هذا هو أنها كانت تعتقد أنني أحمل في داخلي بعض المعاني الطيبة التي يفتقر إليها صديقها. فهو لم يكن يجيد التعبير عن مشاعره، وهادئ بشكل مبالغ فيه، ولم يكن يملك ما يثير الإعجاب بشكل واضح. وهذه ليست عيوب يجب أن يخجل منها المرء طالما أن خطته في الحياة تجري على أحسن وجه. والهدايا التي كانت تجلبها لي، في الأخير، هدايا رمزية، ككتاب عن الهنود الحمر مثلا، أو فيلم طويل عن احدى المعارك الملحمية القديمة، أو قطعة حلوى، وهكذا. ربما لو أنها أهدتني قميص لقتلني أيمن. من الجيد أنها لم تفعل ذلك. لكنه شعر مرة بالحنق، وربما الغيرة، عندما اشترت لي في عيد ميلادي أبجورة على هيئة بلورة لها علاقة بفيلم قراصنة الكاريبي. في الحقيقة، كان أيمن لا يغار مني أنا، ولم يكن يغضب عليّ، فهو يعرف أنني رجل مهذب وأمين ولا أحمل في داخلي نوايا شريرة عندما يتعلق الأمر بنساء الغير. لكنه كان يشعر بالخجل أن ريم كانت تحس بالسرور في حديثها معي، وتمازحني كثيرا. وربما ما أضاف لكل هذا بعض الدراما، هو أنني ذات مرة سمعتهما وهما يتبادلان الحب على السرير. وأنا صدقا، لم أتعمد فعل ذلك، ولكن أصواتهما كانت عالية كبقرة تزن ٨٠٠ كيلو جرام. وهذا ليس ذنبي. فقد كان صوت تأوها عال مثل الناقوس. وكنت أحاول وضع يدي على أذني، ولكن هزهزه السرير كانت قوية ويصعب تجاهلها، وبصراحة، خفت من أن يقتلني الفضول وتفوتني فرصة الاستماع إلى ذلك الشجن الذي كان يخرج من فمها بفعل اللذة. لطالما أثارني موضوع الجنس كموضوع أكثر من الفعل نفسه. وبشكل أدق، المشاعر المصاحبة له. كاللذة، والنشوة، والألم، وما ينبت بينهما. ومنذ نعومة أظافري، تأصلت بداخلي فكرة أن هذا الشيء طبيعي، وأستغرب جدا من حقيقة كونه تابو في مجتمعاتنا.  

  • مخرج.

أحب ليرمنتوف كثيرا، وعصير المانغا، ولحس بقايا ايسكريم البستاشيو من أطراف شفايفك، وأحب النباتات جدا. وقد زاد هذا الحب عن السابق والحد المعقول مذ بدأت أعمل في مزرعة الرفيق س. صارت روحي ذابلة ونفسي حزينة لأنك بعيدة عني. أزرع ما في قرة قلبي من حب لك، على أرض عذراء مثلك. كلما مشيت بين الأشجار، وتوغلت بين السنابل والنخيل، كلما اشتهيت أن أمارس الحب معك في الغابات. أنا أكره الجميع، جميع الناس والأشياء وأحبكِ أنتِ فقط من كل نقطة في دمي. أحبك ولا أريد أن أجرح بذور روحك أو أكسر ذراع قلبك. ترتاح نفسي قبالة وجهكِ. صمتك جهاز مؤقت للري الذاتي. كلامك سماد. عيونك شجرة زيتون مجهزة في أحواض. أحصد من أنفاسكِ اللاهثة باسمي أوراق حقل مزروع في سابع سماء. أنتِ الأعمى يراكِ من شدة حنانك. أنتِ حتى المبتورة ساقه يركض نحوكِ دون ترنح كدب قطبي. أريد أن أكون معكِ دائما، على الأرض، بين الثلوج، وفي الهواء، والقبر، وبداخل هيديرا مبرقشة في اصيص معلق ينهل الماء من ثدييكِ. ثديك عيون أخرى، خضراء، يُزهر كلما لمست حلمته بأطراف لساني. لأن ثديكِ ليس شيئا عاديا، بل هو كائن حي، ينقسم إلى قسمين. فثديك الأيمن من النباتات، بينما الآخر ينتمي إلى فصيلة الحيوانات، أو احدى قبائل الفايكنغ. على صدركِ الغر أحارب الشياطين التي تشعل النيران في جميع أرجاء رأسي وأتزود بالأكسجين والفيتامينات. أرجو ألا تحسبني أبالغ، أو أهايط، أو أي شيء من هذا القبيل. أنا فقط أحاول أن أخبرك الحقيقة، من منظوري الشخصي. وهذه ليست نوبة هذيانية محمومة، ولا هي شهوة متوهجة، بل أنا في كامل قواي العقلية والروحانية. وأنا أنتظر لقائك كما ينتظر الفلاح غلاله. وأجثو على ركبتي عندما يجيء يوم سفري إليك من كثرة الألم الناتج عن السعادة. الرب وحده فقط يعلم مقدار احترامي وحبي لك، وكم الدنيا حلوة معك حد الاستفراغ. فراقك مرار. حديقة في الخريف. عزاء في الجحيم. فراقك اسرائيل. غزة. ذعر الأطفال في الظلام. بكاء رجل يتربع أمام شاشة التلفزيون. عكاكيز محطمة. سلة بيض بين أنياب ذئب جائع وشرس وجريح. فراقك – لا سمح الله – سيكون أسوأ من معاهدة كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو وحرب الخليج. أريد أن أرقد فوق بطنك كالدجاج الوطني، وأكون كالأطرش في الزفة، وأبيض في داخلك شلة من عازفي الفلامنغو ومدافعين وقحين عن حقوق الإنسان والدعاسيق. أريد أن تضعي لي جيش، أو كتيبة على الأقل، أحرر بها مزارع شبعا والجولان وإقليم كشمير، وأستعيد الأماكن المقدسة، حتى الفاتيكان. نحن، كبشر، بحاجة إلى التخلي عن المنطق والإدراك العميق، ونباشر في الهلوسة، كي نبقى ونعيش. ونحن أيضا، منذ بدء الخليقة، نبحث عن الحب، كما تبحث الطيور عن ملاذ أثناء هطول المطر. أريد أن أحبك بكل أنواع التجارب المتاحة للعقل الإنساني. لأن الحب حالة غير عادية من الوعي. ولهذا السبب تحديدا أكتب لك بحالة ذهنية غير طبيعية. متجردا من دماغي، متلاشيا في خيالك، مخالفا الأدب والأعراف ونصائح الأطباء.

 تبا للأدب،

والأعراف،

 والأطباء.

يحيا الجنون،

 والخدر،

 والهذيان.

إن الشمس تغيب الآن، خلف البحر. وينعكس اللون الأحمر على الصخور، فتبدو الأمواج الزرقاء كالسوسن. ليست في هذه التفاصيل ما يتفوق على تفاصيل روحك. أنا مدمن عليك وعلى النظر إليك. وانسانيتي لم تبدأ إلا عندما لمست يدك. أنا أشعر بانجذاب عصبي نحو جسدك. رأسي يدوخ عندما أضع خدي على فخدك. ردفك المتأجج بالآثار الفرعونية. ثمة لحم شهي وطري تحت جلدك. لو كنت صيادا بدائيا، لحملت رمح، وغرسته في ابطك بحركة خاطفة. ابطك رمز. رمز للقوة الايروتيكية كما يقال عند الإغريق. أبجله وأقدسه في أحشاء توقي كآلهة قديمة. وأعتبره رائع، وفاتن، ومقلق، وحداثي. وهو، بالنسبة لي، بمثابة المكان السائل، وزمان متجمد، بحسب تعبير ابن عربي. والحنين إليه لا يعتبر سلوك شائن أو انحراف أخلاقي. أنا الإنسان الذي بطبيعته يحن إلى كل ما فيك. ويستخدم جميع ما لديك من أعضاء لإيصال بعض الأفكار المجازية والمشاعر الحسية. استمتعي قبل بلوغك سن الرابعة والثلاثين بما لديك من أخطاء وأوهام وبما هو مكتوب لك هنا. فهذا لن يتكرر في شبابك أكثر من مرة. وهو، احقاقا للحق، تافه، وقد يكون معيب، ويعطي طابع دراماتيكي لقصص الغرام. وهذه حالة تستحق الدراسة المتعمقة. وأنا لا أستطيع القيام بذلك لأنك حرة في داخل نفسي. أعني يستعصي عليّ فهم ما هو خارج عن سيطرتي ونطاق حكمي. وهذا أفضل.

أحبك وأحب ليرمنتوف كثيرا.

3 رأي حول “– حب فاسق.

  1. مرحبا ماجد .. انا متابع قديم من حسابك على تويتر الذي لا استطيع الوصول اليه الان .. لو كان لديك حساب جديد هل يمكنني الحصول عليه ؟

إياك أن تفعلها . .