ــ ليلة من ليالي السايكوباث ومريم.

بينما كنت في منتصف الشرح، في قاعة الصف، حيث كنت ألقي محاضرة مهمة عن الحرب الأهلية الأمريكية ودورها الوهمي في تحرير السود واعادة الاعتبار إلى الهنود الحمر، وصلتني رسالة قصيرة على هاتفي. لم أفتحها بالطبع، فأنا رجل مهني وصارم في مثل هذه المواقف: لا هاتف أثناء العمل أو عند ممارسة الجنس أو قبل النوم بساعة.

 لا أخفي عليك، لم يكن أحد مهتم بما كنت أقوله. أقصد اهتمامهم كان بدافع الحصول على اهتمامي كي يحصلوا على الدرجات العالية فقط لا أكثر. أنا متفهم لموقفهم من مثل هذه المواضيع المملة. فماذا قد يفيدك في زمن التيك توك لو عرفت أن السبب الرئيسي للحرب لم يكن تحرير العبيد، بل كانت القضية المركزية هي دحر تطلعات ورغبة سكان الولايات الجنوبية بالانفصال عن الشمال. كان هذا الأمر مخالف للدستور قبل كل شيء وفيه هلاك اقتصادي جسيم. وكما تعرف، الأمريكان والغرب بشكل عام يجدون الفخر في دساتيرهم، خصوصا تلك التي كُتبت بعد حروب طويلة ودامية.  

بعد انتهاء المحاضرة، وبينما كنت على وشك اخراج هاتفي من جيبي، تقدم نحوي أحد الطلبة، وعرفني بنفسه. قلت له – كإجراء شكلي- تشرفنا، بماذا أساعدك. لمس الطاولة بأنامله ثم قال بصوت مضطرب لا يتخطى مسمعه غيرنا: “قد ينتصر الجنوب يا دكتور في يوم من الأيام!” نظرت في عينيه مباشرة وكدت على وشك أن أتفق معه. شرحت له على عجل أن الحرب انتهت في عام ١٨٦١ وأن بإمكانه الجلوس في أي مكان في الحافلة وبمقدوره أن يذهب الآن ويواصل يومه والتقاط السيلفيات في المصعد. استغرب من ردي المفاجئ. فقد كان يتوقع مني تفسير مضاد لكلامه يحتوي على أسماء معاهدات وضمانات تاريخية وتفاصيل أخرى إلا أنني كنت أشعر بالإرهاق والصداع وأرغب في التبول خصوصا أن الدستور يمنحني شرعية التبول متى ما شئت وتقريبا في أي مكان.

مرة أخرى، لا أخفي عليك، كدت أشعر بالرغبة في التبول على الطالب الماثل أمامي. أعرف بأن هذا مخالف للأخلاق والأدبيات لكنها رغبة صادقة. لا أدري بالضبط لماذا. قد تكون هذه إشارة إلى أنني أكاد ألمس قاع الهاوية في احدى أهم قواعد استقراري على مدار السنوات الماضية: علاقتي مع مريم.

هل تكون هناك دلائل على موت الحب قبل أن يموت؟ هل يشبه الأمر ما يحدث في الأوطان أوقات الثورات والحروب؟

 هكذا مريم كانت: مدمرة كالحرب ومرعبة كالثورة.

أفيق من أضغاث أحلامي، يبدأ الطالب المذعور من فكرة هيمنة العرق الأبيض على الحياة السياسية بالخروج من الصف. أسحب حقيبتي وأرتدي معطفي. تباغتني حشرة. أتجاهلها. تباغتني حشرة أخرى. أبدأ بفقدان تركيزي وصبري. أذكر نفسي بأن الإنسان بلغ المريخ ومع ذلك هو عاجز عن منع ذبابة من دخول فصل دراسي مصمم وفق أحدث المعايير. أسحب قدمي وأتجه لمكتبي. وهناك، وجدت مريم جالسة خلف طاولة المكتب، ترتدي فستان بكتف منفوخ ونظارة شمسية دائرية. دخلت ووضعت حاجياتي على الأرض. أغلقت الباب بهدوء ثم قلت لها: ” تشرفنا، بماذا أساعدك”. لم تضحك مريم. ولم تبتسم ابتسامتها الدافئة حتى. عرفت أنها هنا كي تنهي موضوع البارحة. جلست أمامها كما يجلسون الطلاب أمامي. تذمرت لها من فكرة قدومها وعدم الانتظار لنهاية اليوم. ثم نهضت أعد لنا الشاي.

  • “إنها حماقة، ما كان يجب أن تحضري إلى هنا ” قلت لها وأنا أضع الليبتون.
  • الموضوع لا يحتمل. كلامك بالأمس ظل يلطمني طوال الليل.
  • سامحيني.

تضحك مريم بصوت رفيع ثم تصمت.

هذه هي المرة الأولى التي تضحك فيها من طلب جاد كهذا.

عرفت وأنا أذيب السكر في الشاي أن كل شيء بيننا انتهى وذاب هو الآخر.

“تريدين الفراق؟” سألتها بصوت متصدع ثم أرحت مؤخرتي على الكنبة المجانبة لطاولة المكتب. نهضت مريم من على الكرسي. كنت أظن أنها ستسكب الشاي على مكان عانتي. أبعدت يدي ووضعت الكأس على المسندة. جلست في حضني ومسحت على لحيتي وهي تغمض عينيها بقوة. وكانت كلما لمستني، كلما شعرت بالإثارة والحزن. وكان كل نفس يخرج منها يذكرني بأولى لحظات تعارفنا. وكنت أحس بنقمها وجلدها وصمتها وعطرها في عظمي.

لا أعلم كم طال مكوثها على فخذي لكن دموعها جعلت هذا المشهد الخسيس مسألة يتحتم إنجازها حتى لو كانت النتائج قاتلة.

  • “هل يزعجك بكائي؟” سألتني وهي تغرس يديها في شعري.
  • كلا، ليس الصوت، الدموع فقط.
  • ” حسنا، أخبرني بشيء ما لا أعرفه ” قالت وهي تمسح دموعها بكتفها.
  • “هتلر كان يجيد الرقص أفضل من ابراهام لنكولن، هناك شهود على ذلك”

ضحكت مريم ثم نهضت من فوقي وجلست أمامي ثم سألتني:

  • بماذا تفكر؟
  • سأخبرك بكل ما يجول في رأسي: كنت سأكون مسرور جدا لو تناولنا الغذاء ثم بعد ذلك افترقنا. ماذا ستخسرين لو انتظرت ٦ أو ٧ دقائق فقط؟ من البداية، كان علينا أن نتفق أن هناك أوقات للمعارك، وهناك أوقات للأكل.
  • تعتقد أن الأمر مزحة؟
  • كلا، من الواضح أنك غير مكترثة بأسفي وغير متسامحة مع فكرة تحمل المزيد من هذا الفتور والرفقة المهملة. سبق وقلت لي أن حياتنا تشوبها الفوضى. أتفهم ذلك. حان الوقت الذي نعالج فيه الموضوع لأخر مرة.
  • نعم، لكني سبق وقلت لك أن هذا ليس هو السبب الأساسي. لا أدري من أي خرم في بدنك تفهمني ولا أدري لماذا لا تناقشني في مثل هذه الأمور الحساسة قبل تفاقم الجرح.
  • لقد اعتدنا على عدم مناقشة المستقبل بصورة حازمة.
  • لماذا برائيك؟
  •  ربما لأننا عندما كنا نفكر فيه بشكل منفرد، لم نكن نرى بعضنا سوية. وكان كلما امتد الزمن، وتطايرت الأيام، كلما مزقتنا المسافات، وأبحرت بذكرياتنا سفن تشتعل بالفراق المحتم نحو البعيد.

اقتربت مريم مني أكثر حتى صارت ركبتها تلامس ركبتي. وكانت هناك ابتسامة زائفة مطلية على وجهي تخبو عندما تمد يدها لترفع رأسي.

  • “كم أنا سعيدة لأننا سنفترق كالغرباء” قالتها بقسوة ثم أسندت ظهرها للكنبة.
  • ” هل ستكونين على ما يرام؟ ” سألتها بعطف.
  • نعم، لكن ليس مباشرة. أنت تعرف أكثر مني في مثل هذه الأشياء.
  • “ماذا تقصدين؟” أقول لها بوجه متأثر.
  • أنت تعرف قصدي. لا تتغابى. الغباء العقلي شيء مزعج ومنرفز خصوصا عندما يخرج من شخص ذكي عاطفيا. أنا أكن لك الكثير من المحبة والود والتقدير. وهذا ليس كلام أقوله كي أظهر بشكل متحضر، بل أعنيه. فأنت أول رجل حقيقي أقع في حبه. وكنت في مرحلة مهمة من حياتي، وبشكل جلي، صديقي الوحيد وسندي في أوقات الضيق والاكتئاب. لن أنسى صبرك معي وما تعلمته منك.
  • ” هل ستكرهينني؟ ”
  • تقبلني على فمي بحميمية رخوة ثم تبدأ بالتحدث:”إن ما بيننا ليس سطحيا إلى الحد الذي قد يجعلني أكرهك، لكنني سأنساك. أعدك بذلك. سأنسى الخراب الذي سببته بداخلي. سأعتبرك قصة تبعث على الدوار والحلم. نعم. أنت كنت بالنسبة لي بمثابة المعلم والصديق والحبيب والعشيق. غيرت وجهات نظري الصغيرة بحديثك الدائم والممل – باعترافك- عن تاريخ العالم. وكنت ألطف كذاب. نعم. كنت أحب كذبك عليّ. كان لذيذ. كنت أستلذ بصوتك وأنت تخبرني أن وجهي جميل رغم انتفاخه من ألم ضرس العقل. وكنت أعشقك عندما تراقصني ونحن في الصالة بمفردنا بينما تحدثني عن قصر فرساي مثلما يثرثر السجين مع سجانه. كان قلبي سجن الباستيل، وأنت نجحت في اقتحامه، والسيطرة عليه، ثم هدمته فوق رأس مشاعري. كنت أنت ثائري الذي يعبر عن الظلم الموجود في العالم بطريقة ممتعة وساحرة تكاد تنسيك الظلم نفسه. لكنني كنت أراك وأنت تتحول إلى ديكتاتور وغد ولعين وظالم، لذلك كان عليّ أن أستعيد حريتي منك. انظر كيف صرت أتكلم وأكتب. صرت مثلك. بات من المستحيل أن ننفصل ثم نعود إلى بعضنا البعض مثل كل مرة. لقدت نفذت طاقتي، وصار السرير الذي كان يجمعنا في أشد لحظات الحياة حميمية وقدسية يلفظني كالبحر. أنا واثق من أنك تعرف كل هذا الكلام والمجاز. ولكن، ومن باب العشرة والمعزة، فضلت أن تسمعه مني، بلحمي ودمي. فأنت بعد أن شربت من دمي، تركت لحمي لذئب آخر. كم أنت ذئب غريب. أعرف أنك سترغب بقتل نفسك في كل مرة تتخيلني نائمة مع رجل غيرك. لكن صدقني، أنا ايضا حزينة لأن الوضع هكذا”
  • تعتقدين أننا سنبقى أصدقاء؟
  • لا.
  • لماذا؟
  • لأنك قلت لي في بداية معرفتي بك أنك لا تؤمن بوجود صداقة بين رجل وامرأة دون تدخل الأعضاء التناسلية في الموضوع، وأنا كنت مغفلة، أخالفك الرأي. لكني الآن بت مقتنعة إلى حد ما بنظريتك. تبدلت الأشياء وكبرت وفهمت ما تقصده.
  • لكنها كانت كلمات يا مريم، مجرد كلمات . .
  • ربما، لكنك تعرف جيدا أن الكلمات أحيانا تملك قوة تضاهي الصواريخ النووية. وربما هذا درس لك في أن تقصد ما تقوله دائما وتتحلى بالشجاعة عند مواجهة العواقب بعد اطلاق صواريخك. فكلماتك، حتى ولو كانت خاوية من المعنى، إلا أنها تشبع الأعين. تشبع عيني على الأقل، وتفجر بداخلي الضحك أحيانا. نعم، كنت مسحورة بكل ما تقول. ربما لأن جزء مني يعرف أنك لا تقصده ومع ذلك دائما ما تبدو وكأنك مؤمن به. ربما كان يجب عليّ تصديقك عندما كنت تخبرني أنك سايكوباث.
  • ” انظري مريم ” يشير إلى ساعة الحائط. يقول مجددا: ” انتهى بريك الغذاء، لماذا لا نكمل لاحقا؟ ”
  • لا. لا يوجد شيء اسمه لاحقا. الآن هو كل ما نملك. لن تهرب مني مجددا، بل أنا سأقرر متى سأرحل.
  • لماذا حالا؟ ولماذا في المكتب؟ ولماذا ونحن نشرب الشاي؟! ولماذا تقبلينني بشهوة إذا كنت قد قررتي تركي مسبقا؟
  • الأمر بسيط. لأني أريد ذلك.

فلاش باك هادئ.

مريم كانت طالبة عندي. أنا أكبر منها بما يكفي لأن أكسر قلبها ثم أمضي عنها. العكس غير صحيح. وجهها يوحي بالضعف والتيه، لكنها من الداخل، قوية ومنظمة. لم تكن متهورة لكن قلبها كان ينبض بالحياة مما يجعلها تبدو وكأنها صايعة نوعا ما. لكنها صبية محترمة وذات تفكير عميق. متعددة الثقافات. تجيد التحدث بالإسبانية. وهي قارئة مسالمة. أقصد أنها تقرأ لنفسها. هالني مرة أنها تعرف الكثير عن كتب نجيب محفوظ وشخصياته. كانت جميلة وهي تتحدث بغضب عن عايدة شداد وما فعلته لكمال عبد الجواد. لم أكن أتصور أن هناك من في هذا الجمال وقادر في نفس الوقت على النطق بغير الترهات.

فلاش باك عاصف.

مريم كانت تشك أنني أخونها مع احدى طالباتي. الشعور بالشك أمر مشروع. خصوصا إذا كانت الشكوك في موضعها. فهي كانت على حق بطريقة أو بأخرى. من الجيد أنها لم تكن من النوع الذي يهوى تفتيش الهواتف وشمشمة الملابس لربما قتلتني واقتلعت مافي أحشائي من أشياء ثم وضعت جثتي في ثلاجة بداخل كراج. قبل يوم من حضورها لمكتبي، صارحتني بالأمر. حاولت أن امسك يدها وأنكر الحقيقة، لكنها رفضت الاستماع إلى تفسيري الواهي. الغريب أنها لم تكن غاضبة، ولم تبكي. كانت تريد التحدث في الموضوع ومعرفة جميع التفاصيل. أعددت لها مجموعة من الأكاذيب الفاخرة لكنها لم تقتنع بشيء. حاولت مجددا الامساك بيدها لكنها قالت لي بلهجة غير طيبة: “شيل يدك عني لو سمحت”.

سحبت يدي إلى جانب فخذي وتمددت على الأرض أمامها وطلبت منها أن تدهسني هنا وهنا. ثم أشرت لها على بطني وعانتي.

  • لا. لا أريد الدهس على أي جزء من جسمك. اجلس ودعنا نتكلم.
  • عن ماذا؟
  • خيانتك.
  • حسنا، ماذا تريدين أن تعرفي بالتحديد.
  • متى فعلتها؟
  • قبل أيام
  • مع من؟
  • امرأة شبه مطلقة كنت أعرفها في الماضي.
  • هل تحبها؟
  • لا، لكنني أستمتع بمضاجعتها.
  • تشعرك بالنشوة؟
  • لا، لكنها تجيد المص.
  • هل تحبها؟
  • كل ما يجري بيننا ينتهي ليلتها. هل أنت سعيدة الآن؟
  • ” اخرج من الغرفة ” تطردني بأحقية.

الساعة الثالثة ظهرا / المكتب.

لا أدري أي مزاج هذا الذي عند النساء يجعلهن قادرات على اتخاد القرار بالفراق في وقت الظهيرة، وعلى معدة خاوية. أعتقد أن قرار كهذا يفقد بريقه عندما يأتي في أي وقت غير الفجر أو الساعة العاشرة والنصف ليلا. فعند الفجر، يكون الهدوء سيد الأمكنة، بينما الفراق مزعج وصاخب، لذلك يكون الألم مضاعف والكلمات التي نسمعها، حتى الخافتة، تبدو صارخة. أما بخصوص العاشرة والنصف ليلا، فهو سيكون سريع لكنه سيمر ببطء. وقد تكون وقتها جالس مع أصدقائك في احدى المطاعم الشعبية تنتظرون العشاء أو تلعبون بالورق أو تتحدثون في أمور سياسية لا يجوز الجهر بها كي لا يغضب المستبد المنير، فتأتيك رسالة نصية على شاكلة: ” لم يعد الأمر يستحق، أنا راحلة ” فتربكك وقد تتسبب في فضيحة وتكدر مزاجك وتمنعك من اللعب. وبهذا، تكون قد أخذت أول جرعة من الفراق: الكدر. وهذا مفهوم، فنحن عندما يتركنا من يحبنا، يداعب الزعل أوقاتنا بشكل عشوائي ويجعلنا نصاب ببعض الوهن. وقد نبدأ بالذهاب إلى النوم مبكرا كي يمضي الوقت والوجع لا لأننا سنموت من النعس. ومع الوقت، يمضي حبنا، ويمضي خلفه جزء من عمرنا بوجع. ولا نكاد نصدق بأن كل شيء انتهى حتى بعد أن يتزوج الطرفان من شخصان مختلفان.

  • “يا إلهي. لم أكن أتوقع أبدا أننا سنفترق!” أقول لها منفجرا.
  • “ولا أنا!” ثم تحضنني.

نبدأ بالبكاء بتقطع من شدة الألم النفسي وكأننا في عرض تلفزيوني مكسيكي.

وأبدو أنا على وجه الخصوص وكأني في الخامسة من عمري وأنا في حضنها أبكي. وأشعر وكأني في سيارة أجرة. ولو يدخل أقذر إنسان في الكون ويرى منظري لصفعني على وجهي من شدة الارتباك والتعاطف. ياله من وقت عصيب. يالها من لحظة مقيتة.

فلاش باك غير عادي نوعا ما.

في بداية معرفتنا، وعدتها أنني لن أتركها أبدا. مهما كانت الظروف أو المصاعب. أعرف بأن هذه الكلمات بديهية بين أي حبيبين. لكني كنت أقصد جدا ما أقوله وقتها. ربما كانت تلك هي اللحظة الأكثر تطابقا في التاريخ. ولكن، وفي النهاية، لم يعد في وسعي إلا أن أخونها.

بدأت بالتخطيط. كنت أعرف بحكم مركزي أن من السهل عليّ اصطياد احدى الطالبات الجميلات. لكني خفت أن أواجه بعض المشاكل مع القانون أنا في غنى عنها. فأنا كل ما كنت أحتاج إليه جسد. فكرت بعمق، وتذكرت أنه يمكنني استئجار عاهرة لمدة يوم، أو نصف ساعة. لكني تجنبت هذا الخيار لأسباب اقتصادية. أعرف ماذا قد يخطر على بالك. قد تقول: “دكتور، طويل عريض، في جامعة، ومفلس، مالت عليك!” أنا تاجر فاشل ومستثمر أخرق، ولكن هذا موضوع آخر.

تذكرت سكيرتيرة مكتب مديرة القسم النشيطة. على الرغم من أنها متزوجة ولديها أولاد أكثر مما في بيتنا من صحون إلا أنها لعوب. وقد كنت قد سمعت اشاعة أنها مطلقة لكنها تخفي عن العموم هذا الأمر كي لا يسعى خلفها أحد الموظفين، أو ربما أحد الطلبة المتفوقين. أو ربما كي تسلم من تحرشات مديرة القسم الليزبيان ولكن، بيني وبينها، كانت هناك شعلة، كنت أحس بها تصعد من أسفل قدمي وتتوقف تماما عند عضوي الذكري. وهذا هو المطلوب.

عندما قررت أن أطلب منها أن تقبل بمضاجعتي، ذهبت لمكتبها، وركلت الباب بخفة، ودخلت.

كانت جالسة خلف حاسوبها، تضرب على الكيبورد بأصابعها مثل الانسان الآلي. ربما لهذا هي سكرتيرة ناجحة. فالعمل في السكرتارية يحتاج إلى قدر كبير من الآلية والقليل من الانسانية. مثلهم مثل الأطباء، مع فارق النبل في المهنة. وقفت أتأمل منظرها، وكنت كلما تأملتها أكثر، كلما لمعت ملامح مريم في وجهها. إن التفكير الزائد في الخيانة يفرغه من معناه وقد يؤجله إلى الأبد. تظاهرت أنني أكح ثم تقدمت نحو المكتب.

رفعت رأسها من على الكيبورد وعندما رأتني ابتسمت وهللت ومرحبت وسهللت بي وكأني مولود جديد.

انتابني الفزع وتراجعت عن خطتي. تظاهرت بأني هنا عن طريق الخطأ. لم تصدقني لكنها لم تلح عليّ كي أقول الحقيقة. هذا صنف نادر من النساء.

خرجت وعدت لمكتبي أبكي.

الساعة السادسة مساءا / حمام المكتب.

طلبت منها بعض الراحة ثم بعدها نستكمل فراقنا واتجهت للحمام. لحقت بي، وعندما استدرت لها، رأيت وجهها يفيض بالنقاء، وكي لا يزيد الأمر عن هذا الحد، اعترفت لها أنني لم أخنها. ثم بدأت بضربي بالمناديل الورقية. ولم يكن ذلك يؤلمني. كان بوسعها أن تضربني بما هو أعنف وأقسى. من الجيد أنها لم تلتقط شطافة المرحاض. لا أظن أنها انتبهت لها ولا أعتقد أنني أريد تذوق طعم خرائي.

ظلت تضربني قرابة الدقيقة. وعندما خارت قواها، وبدأت تعود تدريجيا إلى صوابها، أغلقت المرحاض ثم طلبت مني الجلوس عليه. فعلت هذا. ثم جلست في حضني، ولمت رقبتي بذراعيها، ورمت برأسها عند ظهري، ثم عادت ومسكت خدي، ومسحت على لحيتي، وأطالت التحديق في فمي، لكنها لم تقبلني. وكنت أنا أشعر ببعض الارتباك وأحاول أن أمسك أي شيء منها، فمسكت كتفها، وداعبت أنفها، ولمست وجنتها بشفتي. ثم بدأت أشعر بأنها تودعني. فالنقاش لا يجدي، وعلى الرغم من أنني لم أخنها مع السكرتيرة، إلا أنني لم ألح عليها كي تصدقني. صابني السأم الشديد مني ومنها فرفعت شعرها من على وجهها وأعدته إلى الوراء وطلبت منها أن توقف كل هذه المسرحية.

مدت يدها المرتجفة نحو شفتي، ثم قفزت بها نحو مؤخرة رأسي، وطلبت مني أن أصمت. سألتها إلى متى لأني لم أعد أحتمل. ردت حتى الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل ثم بعد ذلك كل شخص منا يذهب في طريقه.

الساعة السادسة صباحا / السرير.

استيقظت ولم أجدها. رحلت مريم. فعلتها أخيرا.

عليّ الآن التظاهر أنني بخير وإلقاء بعض المحاضرات عن اجتثاث الاستعمار وحرب الجزائر لطلبة لا يحملون في داخلهم أي روح حقيقية.

اللعنة يا مريم.

الوداع يا مريم.

ماجد.

إياك أن تفعلها . .